HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

تفضيل الاقتراض الحكومي الخارجي واسطوانة عدم مزاحمة القطاع الخاص

نشر في صحيفة الغد يوم 6 شباط 2019 تحتاج الخزينة الأردنية قروضا جديدة سنوية بقيمة حوالي بليون دولار هي تقريبا قيمة عجز الميزانية ...


نشر في صحيفة الغد يوم 6 شباط 2019
تحتاج الخزينة الأردنية قروضا جديدة سنوية بقيمة حوالي بليون دولار هي تقريبا قيمة عجز الميزانية بعد المنح والمساعدات. وفي الآونة الأخيرة تكررت مقولة ان الاقتراض الخارجي (أي من خارج السوق المصرفي الأردني ومن خارج أدوات الدين العام المحلية) أفضل لكي لا يزاحم القطاع الخاص قي القروض المحلية والتي يحتاجها لتمويل اعماله وتوسعه. وتبع ذلك الفرحة العارمة بالقرض الجديد من البنك الدولي. هذه المقولة تحتاج بعض التمحيص لأنها قد تنطوي على فرضيات خاطئة أهمها ان القدرة الاقراضية للسوق المحلي (بنوكا ومستثمرين) ثابتة ولا تزيد مع الطلب.

بداية هناك إيجابيات وسلبيات للاقتراض الخارجي والداخلي والاقتراض بالعملة المحلية مقابل العملة الصعبة يمكن تلخيصها بالآتي:

-        الاقتراض الخارجي بالدولار يساهم في رفع مستوى الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي وهو ما لا يتحقق عبر الاقتراض المحلي بالدينار. لكن الاقتراض المحلي بالدولار يحقق نفس النتيجة إذا ما استقطب ودائع جديدة بالدولار من خارج الاردن.

-        عند الاقتراض محليا (بالدينار او الدولار) فان حوالي ثلث الفائدة المدفوعة تعود للخزينة كضرائب دخل على الجهاز المصرفي عكس القروض الخارجية التي تذهب فوائدها أرباحا لجهات خارج الأردن. وعليه فان كلفة القرض المحلي الحقيقية على الخزينة تقل بالثلث تقريبا عن سعر الفائدة المدفوع. وهذا يعني ان القرض المحلي الذي يدفع 6% فائدة مثلا يوازي قرضا اجنبيا بفائدة 4% من ناحية الكلفة الحقيقية على الحكومة.

-        كذلك فان الفوائد المدفوعة للاقتراض المحلي تذهب في جزء منها كقيمة مضافة للقطاع المصرفي (رواتب ومنافع موظفين وارباح بنوك) ولها تأثير مضاعف في الاقتصاد حيث يذهب جزء منها كنفقات في قطاعات اقتصادية أخرى مثل التامين والعقار وخدمات تقنية المعلومات وغيرها.

تبقى نقطة مزاحمة القطاع الخاص في الاقتراض المحلي وهي نقطة مهمة. فالبنوك المحلية حتما ستفضل اقراض الحكومة على اقراض القطاع الخاص لان الدين الحكومي بالدينار الأردني صفر المخاطرة مقارنة مع الدين للقطاع الخاص. وعليه فان ازدياد الاقتراض الحكومي بدون توسيع القدرة الاقراضية الكلية للجهاز المصرفي سيزيد من كلفة الاقتراض على القطاع الخاص. 

النقطة الأساسية هنا افتراض عدم توسع القدرة الاقراضية الكلية للجهاز المصرفي وثباتها. وافتراض ان الاقتراض الحكومي واقتراض القطاع الخاص يخضع لمعادلة صفرية بحيث يقل الاقتراض من قبل القطاع الخاص إذا زاد اقتراض الخزينة. هذه الفرضية خاطئة وليست واقعا لا فرار منه. 

في الأردن 16 بنك أردني و 9 بنوك غير اردنية بمجموع 25 بنكا. وتجاوز مجموع حقوق الملكية في القطاع المصرفي 6 بليون دينار في 2017 بنمو بنسبة 4% عن 2016. فيما تجاوزت موجودات القطاع المصرفي 49 بليون دينار في 2017 بنمو 1.5% عن 2016. منها أكثر من 22.5 بليون ديونا على القطاع الخاص و 10 بليون ديونا على القطاع العام. 

نظريا يمكن زيادة الإقراض الحكومي بدون مزاحمة القطاع الخاص طالما ان ودائع القطاع المصرفي تزيد بوتيرة اعلى من المبلغ المقرض للقطاع الحكومي سنويا. كذلك فان زيادة راس مال القطاع المصرفي سيزيد كثيرا من قدرته على اقراض القطاع العام بدون أي تأثير على القطاع الخاص كون الإقراض للحكومة لا يزيد العبء على نسبة معدل كفاية راس المال بسبب قلة المخاطرة في الإقراض الحكومي. 

بحسب تحليل سابق عن التركز في القطاع المصرفي الأردني تبين ان سوقنا المصرفي في الاردن حاليا لا يعاني من تركز عال وفيه _في الوقت ذاته_ مجال لعمليات اندماج واستحواذ بين البنوك الصغيرة من دون تأثير سلبي على مقياس التركز. خصوصا ان اكثر من نصف البنوك تحقق أرباحا متواضعة مقارنة بحقوق الملكية.

نعلم كذلك ان البنك المركزي يحاول تشجيع اندماج البنوك الصغيرة منذ فترة طويلة بلا نجاح يذكر. ولربما
يكون عدم التشجيع الواضح لترخيص بنوك اردنية جديدة سببا في عدم نجاح سياسة تشجيع الاندماج بين البنوك الصغيرة. فهذا التوجه لعدم تشجيع انشاء بنوك اردنية جديدة يجعل رخصة البنك العامل في الاردن ذات قيمة عالية _بنظر مالكيها على الاقل_ مرتبطة بندرتها وعدم توفرها لداخلين جدد. 

ولربما يكون الطريق الانجح نحو تحفيز الاندماج بين البنوك في الاردن عبر فتح المجال وتشجيع انشاء بنوك تجارية واسلامية اردنية جديدة بدلا من سياسة عدم تشجيع اي ترخيص جديد. وهنا يجب التذكير بان البنوك لا تستخدم مصادر عامة محدودة كالترددات او المناجم او ابار النفط. لذلك لا تجد تحديدا لاي حد اقصى لعدد البنوك في الدول الصناعية الكبرى بل يترك العدد لقوى السوق في كل دولة مع تركيز البنوك المركزية والمنظمين والحكومات على الاطر التشريعية والتنظيمية والضريبية الصارمة للبنوك، أضافة الى التدخل السريع لمنع التركز ومنع ومعاقبة الممارسات الاحتكارية والمعادية للمنافسة.

هذا الاسلوب قد يكون ملائما للأردن لتحفيز السوق نحو الاندماج بين البنوك الصغيرة والمتوسطة والتي ستقلل من الكلف وتزيد الكفاءة وربما تجذب استثمارات وودائع جديدة في السوق المصرفي الأردني تزيد من قدرة القطاع على الإقراض الحكومي (بالدينار والدولار) وبذات الوقت الاستمرار في التوسع في اقراض القطاع الخاص. وههنا مقترحات اولية تقبل النقد والنقاش:

-        اعلان رسمي واضح عن ترحيب البنك المركزي في الاردن بأنشاء بنوك تجارية واسلامية اردنية جديدة شريطة ان تكون شركات مساهمة عامة براس مال لا يقل عن 300 مليون دينار مثلا وهو مبلغ اعلى من لراس مال ثاني أكبر بنك في الاردن. بمعنى ان لا تعطى التراخيص الا للبنوك الكبيرة منذ البداية.

-        الاعلان وبوضوح على ان الاردن لن يحدد الحد الاعلى للبنوك العاملة فيه وان الترخيص سيعطى لاي بنك جديد يستوفي شروط الترخيص. وهذا كفيل بتغيير نظرة البنوك الصغيرة الى قيمة الترخيص التي تملكه من شىء ثمين للغاية يكون _لوحده_ سبب لعدم التفكير بالاندماج مع بنوك اخرى الى مسالة روتينية بدون قيمة عالية.

-        اعلان الحكومة كذلك على تفضيل الاقتراض من القطاع المصرفي المحلي على الاقتراض الخارجي شريطة ان لا يزيد الاقتراض الحكومي الإضافي سنويا عن الزيادة في راس مال البنوك الأردنية في نفس السنة او عن نسبة معينة من الزيادة في الودائع لدى هذه البنوك لضمان عدم التقليل من رغبة البنوك في اقراض القطاع الخاص. وهذا الإعلان الحكومي سيكون نقطة جذب لمستثمرين جدد في القطاع المصرفي لجاذبية العائد.

الاعلان عن امكانية دخول بنوك جديدة الى السوق قد يكون لوحده كافيا _قبل دخول اي بنك جديد_ لتحفيز الاندماج بين البنوك الصغيرة التي ستقلق حتما من تأثير دخول بنوك جديدة برأسمال عال على حصتها السوقية وربحها. واذا ما دخلت بنوك جديدة السوق فهذا سياتي بمنافع عديدة من ضمنها تمتين القاعدة الرأسمالية الكلية للقطاع المصرفي الاردني وزيادة نسبة الاشخاص المستخدمين للخدمات المصرفية في الاردن. كذلك ستزيد فرص استخدام اساليب مبتكرة وجديدة للخدمات المصرفية تشمل _على سبيل المثال لا الحصر _ بنوك الانترنت التي لا تملك شبكة فروع بل تستخدم تحالفات مع شركات غير بنكية لتقديم الخدمات المصرفية بكلفة اقل وانتشار اكثر. كل هذا قد يزيد من جاذبية القطاع المصرفي الأردني لاستقطاب استثمارات فيه من مستثمرين أردنيين مقيمين او مغتربين ومن مستثمرين غير أردنيين. وأيضا استقطاب مزيدا من الودائع بالعملة المحلية والعملات الصغبة.

تلخيصا القدرة الاقراضية للقطاع المصرفي والسوق المحلي (بنوكا ومستثمرين) ليست ثابتة بل المفترض انها تزيد مع الطلب. ولهذا لا أساس للقول ان الاقتراض المحلي سيزاحم القطاع الخاص. لكن التوسع في الاستثمار في القطاع المصرفي الأردن مقيد بسياسات بنك مركزي لا تشجع على انشاء بنوك اردنية جديدة بحجة تشجيع اندماج البنوك. وهي سياسة لم تنجح لتاريخه. المطلوب سياسة جديدة تكون نتائجها استثمارات جديدة في القطاع المصرفي وعمليات اندماج تحصل بعوامل المنافسة.

ليست هناك تعليقات