HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

عطلة الثلج والاجازات: كثيرون في الأردن يعطلون أكثر من الالمان

نشر في صحيفة الغد يوم 28 كانون الثاني 2019 قبل أسبوعين وافق مجلس النواب على زيادة عدد الاجازات في قانون العمل من 14 الى 18 يوما...




نشر في صحيفة الغد يوم 28 كانون الثاني 2019

قبل أسبوعين وافق مجلس النواب على زيادة عدد الاجازات في قانون العمل من 14 الى 18 يوما لمن تقل خدمتهم عن خمس سنوات ومن 21 الى 24 يوما لمن تزيد خدمتهم عن خمس سنوات. وبعده أعلن مجلس الوزراء عطلة ثلج رسمية _شملت العقبة ومعان والغور والتي لم تشهد لا ثلوجا ولا امطارا _ بسبب بعض تراكم للثلوج في أجزاء من مدن مثل عجلون والسلط وعمان.

وانطلقت بعدها نقاشات وكتابات كثيرة تتهم شركات القطاع الخاص التي اعترضت على إجازة الثلج بامتهان حقوق العمال والموظفين وتطرق الكثيرون الى اجراء مقارنات ومفارقات ما بين وضع الاجازات في الأردن وبين وضعها في دول العالم الصناعي المتقدم والتركيز على المانيا التي تتميز بانها أكثر دولة في أوروبا من ناحية اجازات عمالها وموظفيها.

فلنبدأ ببعض الحقائق. بحسب ثومسون رويترز _ وويكبيديا أيضا _ فان القانون الاتحادي الألماني يقرر التالي فيما يخص الاجازات: قانونا لكل عامل في القطاع الخاص يعمل خمسة أيام في الأسبوع 20 يوم إجازة سنويا تصبح 24 يوما لمن يعمل ستة أيام في الأسبوع. مع الإشارة الى ان كثيرا من الشركات تمنح 30 يوم إجازة كما تفعل الحكومة الألمانية مع موظفيها. وفي المانيا أيام عطل رسمية تتراوح بين 9 الى 14 يوم بحسب الولاية. تلخيصا، في المانيا 104 أيام عطل أسبوعية بالإضافة الى 30 يوم إجازة سنوية خاصة و 9 الى 14 يوم عطلة رسمية بمجموع 143 يوم الى 148 يوم. مع الإشارة الى ان القانون يسمح للقطاع الخاص ان ينخفض مجموع أيام العطل لديه الى 133 يوم في السنة بحسب قرار صاحب العمل.

فلننظر الان الى حالة العطل في الأردن بحسب القانون الحالي قبل تعديل مجلس النواب الأخير. العامل الذي يعمل خمسة أيام في الأسبوع وعمل في شركته أكثر من خمس سنوات يحصل على 21 يوم إجازة و 16 يوم عطلة رسمية و 104 يوم نهاية أسبوع في السنة بمجموع 141 يوم في السنة. والعامل الي لم يتجاوز عمله في شركته اكثر من خمس سنوات له 14 يوم إجازة و 16 يوم عطلة رسمية و 104 يوم نهاية أسبوع بمجموع 134 يوما في العام. أي ان مجموع عطل العامل الأردني اعلى من الحد الأدنى القانوني في المانيا بيوم الى 8 أيام قبل الزيادة الأخيرة في مجلس النواب. وبنفس الوقت فان مجموع عطل العامل الأردني الذي يعمل خمسة أيام في الأسبوع يقل عن المعدل المتعارف عليه في المانيا من يومين الى 14 يوم بحسب عدد سنوات الخدمة وبحسب ولاية العامل الالماني. 

لكننا يجب ان لا ننسى ان الدوام في شهر رمضان الفضيل يقل ساعتي عمل يوميا أي ربع يوم عمل كل يوم بمجموع خمسة أيام شهريا لمن يعمل خمسة أيام في الأسبوع. كذلك فان العامل المسيحي يحصل أيضا على يومي عطلة لعيد الفصح ويوم عطلة لاحد الشعانين ويوم ثان لعيد الميلاد. فيكون المجموع الإضافي ما يساوي خمسة أيام عطلة إضافية لمعظم العاملين في الأردن ترتفع الى تسعة أيام عطلة إضافية للعمال والموظفين المسيحيين. مع حساب هذه الأيام يصبح مجموع عطل العامل الأردني الذي يعطل يومين في الأسبوع من 139 الى 151 يوم (بحسب عدد سنوات الخدمة والدين!). وهو اعلى من الحد الأدنى القانوني في المانيا ب 6 أيام الى 18 يوم. وهو أيضا اعلى من المعدل المتعارف عليه في المانيا في كثير من الحالات واقل من المعدل المتعارف عليه هناك في بعض الحالات بحسب مدة الخدمة في الاردن  والولاية في المانيا.  

لاحظوا كذلك ان معدل العطل في المانيا ليس مفروضا بالقانون. القانون الاتحادي هناك يحدد الحد الأدنى الذي يقل عن واقع الحال في الأردن. المعدل العالي للعطل هناك سببه أساسا ازدهار المانيا ونجاحها الصناعي. فعلى الاغلب ان سبب ازدهار المانيا هو ليس كثرة إجازات الألمان بل ان العمل والإنتاج والازدهار هناك ادى إلى زيادة الإجازات والرفاهية في كثير من الشركات. فلم اسمع قط عن دولة ازدهرت بسبب زيادة أيام التعطيل! والا لكان الحل بسيطا في الأردن لتخفيض نسب البطالة وتحفيز الاقتصاد: زيدوا الاجازات! 

المانيا كمعظم دول العالم اقتصادها رأسمالي. أساس هذا الاقتصاد الرأسمالي ان القيمة المضافة لعمل الموظفين والعمال يجب ان تزيد عن كلفة رواتبهم بحيث تتوزع أرباحا وضرائب. بدون هذا الأساس لن يحصل استثمار في شركات ومصانع ومزارع ولا أي توسع في التشغيل وخلق فرص العمل. وتجدر هنا الملاحظة ان حوالي خمس القوى العاملة في المانيا لا يعملون بوظائف وعقود ثابتة ودائمة بل عبر نظام التشغيل الجزئي بسبب قوانين العمل هناك. وبالطبع فان رواتب ومنافع العمال في المانيا اعلى بكثير منها في الأردن وهذا ايضا ينطبق على أرباح الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة هناك والتي هي أيضا اعلى بكثير من مثيلاتها في الأردن. 

لا خلاف ان نظم الإدارة الحديثة في كثير من الاعمال تعتمد على منتجات العمل لا أوقات الدوام لقياس إنتاجية العامل. وفي سبيل هذا تستخدم الدوام المرن والعمل من البيت وأنظمة حوافز حديثة. لكن كل هذا لا يعني زيادة أيام العطل الكلية. ففي التعطيل يتوقف العمل والإنتاج. ولنتذكر ان كثيرا من الاعمال أساسها الوجود في مكان العمل مثل موظف الاستقبال في الفندق او الطباخ والنادل في المطعم او الميكانيكي في المشغل. 

كما اسلفت في مقال سابق فان الفرق بين عطلة نهاية اسبوع مدتها يومان وبين عطلة نهاية أسبوع يوم واحد هو 52 يوم عطلة بالتمام والكمال. وعليه يجب الاخذ بعين الاعتبار ان كانت الشركة الأردنية تعطل يومين في الأسبوع او يوم ونصف او يوم في الأسبوع. وبدلا من زيادة الاجازة بالمطلق للجميع _كما قررها مجلس النواب_ يجب ان تقتصر زيادة أيام الاجازة على من يعمل ستة أيام في الأسبوع لا من يعمل خمسة أيام في الأسبوع. وهذا القرار الان بين يدي مجلس الاعيان.
 
أخيرا لا يستوي الحديث عن اللامركزية وتعظيم دور التنمية المحلية مع قرار تعطيل مركزي من دولة رئيس الوزراء. عطل الأحوال الجوية الطارئة يجب ان تكون على مستوى المحافظة والمدن فيها بحسب الظروف الجوية لكل محافظة ولواء. كذلك يجب أن يكون القرار بعدم الذهاب إلى مراكز العمل لا التعطيل الكلي. لان الكثيرون يستطيعون العمل من البيت في يوم الثلجة بدون اية مشاكل.

ليست هناك تعليقات