HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

النفط على 150 دولار للبرميل او على 50 دولار: ايهما أفضل للاقتصاد الأردني؟

النفط على 150 دولار للبرميل او على 50 دولار: ايهما أفضل للاقتصاد الأردني؟ نشرت في صحيفة الغد يوم 7 تشرين اول \ اكتوبر 2023 جواب السؤال ف...


النفط على 150 دولار للبرميل او على 50 دولار: ايهما أفضل للاقتصاد الأردني؟

نشرت في صحيفة الغد يوم 7 تشرين اول \ اكتوبر 2023



جواب السؤال في عنوان هذا المقال قد يبدو سهلا: الأردن بلد غير نفطي وعليه فان الأفضل لاقتصاده حتما ان يكون سعر النفط منخفضا. لكن _وههنا سبب هذا المقال_ ربما سيكون النفط على 150 دولار للبرميل حاملا لكثير من البركات للاقتصاد الأردني لا سيما اذا ترافق مع سياسات عامة حصيفة في قطاع الطاقة والاقتصاد عموما.

لنبدأ من اضاءات التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) لسنة 2022.

-         ارتفعت مبيعات الطاقة الكهربائية الى شركات التوزيع بنسبة 6% في 2022.

-         ارتفعت كلفة شراء نيبكو للطاقة من مصادر التوليد المختلفة بنسبة 5.5% لتصل الى 71 فلس للكيلوات ساعة مقابل 67 فلس في 2021.

-         شكل الغاز الطبيعي 99.9% من الوقود المستهلك في محطات التوليد بدون حساب محطة العطارات وما حرقت من الصخر الزيتي. فيما شكل الديزل والوقود الثقيل مجتمعين حوالي 1 في الالف من الوقود المستخدم في توليد الكهرباء.

-         في 2022 شكلت الطاقة المتجددة من الرياح 8% من مجمل مشتريات نيبكو من الطاقة الكهربائية و الطاقة الشمسية 11% والعطارات 5% فيما استوردت الشركة 1% من مشترياتها من مصر والباقي (74%) من مشاريع التوليد التقليدية التي تستخدم الغاز الطبيعي.

نستنتج من أعلاه ان قطاع الطاقة الكهربائية في الأردن معزول بشكل كبير عن تقلبات أسعار النفط العالمية وأيضا أسعار الغاز الطبيعي المسال وذلك لاعتماده أساسا على الغاز الطبيعي عبر الانابيب والطاقة المتجددة وحديثا على الصخر الزيتي من مشروع العطارات. والقرينة الواضحة هنا ان كلفة الكيلوات على نيبكو زادت فقط بأقل من 6% في سنة 2022 التي ارتفع فيها سعر النفط بمعدل يتجاوز 50% عن 2021. ذلك ان الغاز الطبيعي عبر الانابيب له _بحسب ما رشح من اتفاقية الغاز_ سعر اقصى وسعر ادنى مرتبطين بسعر برميل نفط برنت، حيث الحد الأدنى للسعر هو 5.56 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، عندما يكون سعر النفط 30 دولارًا للبرميل أو أقل، والحد الأعلى عند 11 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية عند سعر نفط 320 دولارًا للبرميل أو أعلى. مما يعني ان كلفة الغاز ترتفع بنسبة 1% فقط عند ارتفاع برميل برنت بنسبة 10%. والطاقة المتجددة والتي شكلت 19% من مشتريات نبيكو سعرها غير مرتبط بتاتا بسعر النفط ناهيك عن الطاقة الكهربائية المنتجة من المشاريع الصغيرة على اسطح البنايات والتي لا ندخل في حسابات نيبكو وتساهم بحوالي 10% من مجموع الطاقة الكهربائية المستهلكة وطنيا.

بالتزامن مع مناعة ومرونة قطاع الطافة الكهربائية الأردني في مواجهة أي ارتفاع كبير بأسعار النفط فان حصة النفط من اجمالي خليط الطاقة الأردني في انحسار مستمر. فقد شكل النفط 45% من خليط الطاقة الكلي في 2021 (محسوبا بالكمية لا الكلفة) بانخفاض ملحوظ عن مستوى 2020 (48%) و 2019 و2018 (54% للسنتين) و 2017 (57%).

ما يزيد من التفاؤل يمناعة الاقتصاد الأردني ضد ارتفاع أسعار النفط ان انخفاض استهلاك النفط ليس انخفاضا نسبيا فقط بل انخفاض سنوي بالأرقام المطلقة ايضا. فقد انخفض استهلاك النفط في 2021 عن 2020 بنسبة 3% فيما انخفض استهلاك 2020 عن 2019 بنسبة 21%. وكان استهلاك الاقتصاد الأردني من النفط في 2021 اقل من مستوى 2017 بنسبة 30%.

هو اذن امر جلي وواضح. نمو مضطرد سنوي في كهربة الاقتصاد الأردني وابتعاد تدريجي مستمر عن النفط ومشتقاته. أي انتقال القطاعات المختلفة الى استهلاك اكبر للكهرباء على حساب المشتقات النفطية مثل استبدال سيارة بنزين بسيارة كهرباء او تحويل التدفئة من بويلر الديزل الى التكييف الكهربائي وتغيير مصنع مرجل الديزل الى التسخين بالطاقة الكهربائية. وربما اذا ما ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير في الفترة المقبلة فان هذا سيسرع من الانتقال الى الكهرباء في قطاعات اقتصادية متعددة كالنقل والصناعة والزراعة وغيرها.

كذلك فان ارتفاع أسعار النفط عالميا سيترجم الى رواج اقتصادي في دول الخليج العربي الشقيقة والتي يسكن ويعمل فيها مئات الالاف من الأردنيين العاملين. مما سيترجم حتما الى زيادة حجم الصادرات الأردنية وارتفاع في حوالات المغتربين ونمو السياحة الخليجية والاستثمار الخليجي في الأردن ناهيك عن احتمال زيادة المساعدات الخليجية المباشرة وغير المباشرة للأردن.

أخيرا فان ارتفاع سعر النفط عالميا قد يساهم في اجبار الحكومة الأردنية على التخلي عن الواقع الاحتكاري الحالي في سوق المشتقات. فالشكوى الشعبية من ارتفاع أسعار المشتقات قد تعني اجبار الحكومة على التخلي عن إعطاء كل حلقات التزويد هوامش ربحية عالية ومضمونة والتوجه تحو سوق للمشتقات النفطية فيه منافسة تامة حقيقية.

على الاغلب لن يصل النفط الى 150 دولار للبرميل. لكنه ان وصل هذه المستويات قد يكون اكثر نفعا للاقتصاد الأردني من هبوطه الى 50 دولار للبرميل.

المهم ان نكون السياسة الوطنية للطاقة واضحة في تشجيع وعدم عرقلة التحول المضطرد لكهربة القطاعات الاقتصادية والاستفادة من التقدم في تقنيات الطاقة المتجددة خصوصا في التخزين لزيادة حصة الطاقة المحلية والتركيز بشكل ملح على توفير مصدر اخر للغاز الطبيعي من محيطنا العربي مع نهاية الاتفاقية الحالية للغاز بعد حوالي 12 سنة.  لان الغاز الطبيعي سيبقى _غالبا_ جزء مهم من خليط الطاقة لسنوات قادمة.


ليست هناك تعليقات