HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

استثناء مخالفات سير مع شمول قضايا الشيكات في مشروع العفو العام: نظرة حكومية جبائية بحتة!

نشر في صحيفة الغد يوم 30 كانون الاول 2018 تقدمت الحكومة بمشروع قانون للعفو العام يستثني من العفو معظم مخالفات السرعة فيما يشمل ب...


نشر في صحيفة الغد يوم 30 كانون الاول 2018

تقدمت الحكومة بمشروع قانون للعفو العام يستثني من العفو معظم مخالفات السرعة فيما يشمل بالعفو العام كل قضايا الشيكات الا التي دفع أصحاب الحق فيها رسوما طائلة للحكومة. ولسان حالها في هذه الخطوة الغريبة غير المسبوقة انها تتسامح بحقوق ليست لها فيما تتعسف في تحصيل مخالفات السرعة حتى التي لم تتسبب باي حادث. 


بداية انا ضد العفو العام. واعتقد انه يجب ان يستبدل بأسلوب العفو الخاص _ حالة بحالة_ بحسب تفاصيل كل قضية وبحيث لا يعطى الا لمن امتثل للقضاء وابدى الندم وباشر بقضاء العقوبة وصار في قضيته اسقاط للحق الشخصي. اما أسلوب العفو العام باعتبار الجريمة كأنها لم تكن حتى لو كان الجاني هارب من وجه العدالة فهي دليل ضعف لا قوة. فالعفو عند المقدرة لا عند عدم القدرة على تنفيذ القانون! 

مشروع قانون العفو العام الذي قدمته الحكومة شمل كل قضايا الشيكات الا تلك المقرونة بالادعاء الشخصي. وكان الحكومة اعتبرت أن عدم الادعاء بالحق الشخصي في قضية الشيك هو بمثابة إسقاط للحق فيه. هذا خطأ جسيم وغريب. فقضية الشيك بلا رصيد لا تبدأ الا بتقديم الشيك بدون رصيد إلى المدعي العام من قبل صاحب الحق بعد ختمه من البنك. والبنوك تختم الشيكات وتبلغ البنك المركزي بالشيكات الراجعة ولكنها لا تتقدم من المدعي العام باي شكوى. حصرا هو حامل الشيك وصاحب الحق فيه الذي يقدم للمدعي العام الشيك بدون رصيد وهو فعل واضح لا لبس فيه لتثبيت الحق لا إسقاطه. 

الادعاء بالحق الشخصي في قضايا الشيكات يضمن لصاحب الحق ان يحصل على الفوائد القانونية على نقوده حتى السداد التام. والادعاء بالحق الشخصي يرتب على صاحب الحق تكاليف عالية تشمل رسوم الادعاء بالحق الشخصي والتي تتجاوز ٢ بالمية من قيمة الشيك بالإضافة إلى أتعاب محاماة من ٥ إلى ٢٥ بالمية حسب قيمة الشيك. لذلك فان كثيرين لا يقدمون ادعاء بالحق الشخصي ويكتفون بتقديم شكوى الشيك بلا رصيد لدى المدعي العام وكثيرون كذلك لا يرغبون بتحصيل الفائدة القانونية بل يكون كل ما يطلبونه سداد النقود او تقديم تسوية مقبولة للسداد. وهما الامران اللذان ينهيا الدعوى بحق من حرر الشيك بدون رصيد. 

في القانون الأردني الشيك أداة وفاء وليس أداة ائتمان. والقانون كذلك يجرم اصدار الشيك بدون رصيد حتى من قبل المفوض بالتوقيع عن الشركة الذي يكون مسؤولا جزائيا بصفته فاعلا عن جريمة الشيك بلا رصيد. وفي حالة المضي بالمقترح الحكومي الغريب فان كثيرا من الحقوق المالية ستضيع خصوصا تلك الناجمة عن شيكات من شركات ذات مسؤولية محدودة.
هناك من يريدون ان يلغوا عقوبة السجن في قضايا الشيكات بلا رصيد. نذكر هؤلاء ان القانون الأردني تغير كثيرا. فقبل عقود كان الشيك بلا رصيد يتسبب بتوقيف محرر الشيك فورا وقبل صدور الحكم في القضية. في الوقت الحالي لا يوقف محرر الشيك بدون رصيد ابدا وقضية الشيك تأخذ ما بين سنة الى سنتين قبل ان يصبح الحكم قطعيا بعد الاعتراض والاستئناف. والمدة هذه غالبا كافية لمحرر الشيك للسداد او اقتراح تسويات مناسبة. وان اردتم تغيير القانون وإلغاء عقوبة السجن (أقصاها حالية سنة واحدة فقط) فليتم عبر تعديل القانون مع تاريخ نفاذ لاحق للقانون لا عبر عفو عام بأثر رجعي يضيع حقوق الناس.
مشروع قانون العفو العام المقترح عجيب في انه اول مشروع قانون عفو عام يشمل قضايا الشيكات حتى التي لم يحصل عليها مصالحة او تسديد! هذا يهدم أساس من أسس واعراف التجارة في الأردن وقد يتسبب في زيادة الجرائم عندما يعلم الناس ان قانون العفو العام قد فرط في حقوقهم بدون أي سبب وجيه.

مرة اخرى من غير المعقول ان تقترح الحكومة ان لا تعفي مخالفات سير سرعة بسيطة وبذات الوقت تقترح إعفاء جريمة الشيك بدون رصيد _والتفريط بحقوق الناس_ الا اذا تم الادعاء بالحق الشخصي مع دفع رسومه الباهظة. واضح ان الحافز التحصيلي طاغ تماما على تفكير من كتب مشروع قانون العفو العام! نتمنى على السادة النواب الانتباه لهذه النقطة وتعديل مشروع القانون بحيث لا تضيع حقوق الناس اللذين لم يخالفوا قانونا بل اعتمدوا على سيادة القانون لضمان حقوقهم.

ليست هناك تعليقات