HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

التقاعد المدني والضمان الاجتماعي وتقاعد نقابة المهندسين.

بات صندوق تقاعد نقابة المهندسين محور سجال شديد في النقابة منذ عدة اشهر. انتهى بقرار الهيئة العامة الاستثنائية بالموافقة على تعدي...



بات صندوق تقاعد نقابة المهندسين محور سجال شديد في النقابة منذ عدة اشهر. انتهى بقرار الهيئة العامة الاستثنائية بالموافقة على تعديل نظامه ورفع كلفة الاشتراك به "للحفاظ على ديمومته" بحسب التيار المساند للتعديلات او "للتغطية على إخفاقات القائمين عليه" بحسب التيار المعارض للتعديلات. 

 
صندوق تقاعد المهندسين يعمل بنظام المنافع المحددة سلفا تماما كالتقاعدين المدني والعسكري وكذلك كتقاعد الضمان الاجتماعي. في التقاعد على نظام المنافع المحددة سلفا يكون للمشترك حق براتب محدد مدى الحياة بعد استيفاء شروط معينة (مثل عدد سنوات اشتراك والوصول الى عمر معين الخ). وهذا النظام للتقاعد يكون فيه صندوق التقاعد معتمدا على استمرار دخول مشتركين جدد صغار في النظام بالإضافة الى تحقيق عوائد استثمارية للفائض التأميني السنوي.

كثير من _وربما معظم_ أنظمة التقاعد "محددة المنافع" (defined benefits) في كل العالم آيلة الى السقوط عاجلا ام اجلا. وهناك تقارير متعددة من ال OECD عن هذا الموضوع استنادا الى تجارب الدول الأخرى. فتغييرات الديموغرافيا ثقيلة على هذه الصناديق من حيث ازدياد معدل الحياة لدى المتقاعدين وانخفاض نسبة النمو السكاني وبالتالي انخفاض نسبة اعداد المشتركين الى اعداد المتقاعدين.
والأردن مثال صريح على هذا. ففي الأردن التقاعدين المدني والعسكري وصلا نقطة الإفلاس منذ سنوات عديدة. وتمول حاليا الحكومة عجز التقاعد المدني والعسكري باقتراض أكثر من بليون دينار سنويا لدفع رواتب المتقاعدين. 
 
اما الضمان الاجتماعي فوصعه أحسن نسبيا. لكنه أيضا الى افلاس مستقبلي بتقدير مؤسسة الضمان الاجتماعي نفسها. بحسب الموقع الالكتروني للضمان الاجتماعي فان "اقرار قانون الضمان الجديد جاء للحفاظ على المركز المالي للمؤسسة وبذات الوقت تقديم المنافع التأمينية للمشتركين بكافة فئاتهم وفق أفضل الأسس والمعايير. فالقانون القديم كان من شأنه لو تم مواصلة العمل به ان تتساوى النفقات مع الايرادات (نقطة التعادل) في العام 2027 مما سيؤدي الى دخول مؤسسة الضمان في مرحلة العجز المالي لتتلاشى كافة احتياطات الضمان في العام 2043. فيما ان القانون الجديد المعمول به حاليا يشير وفق الدراسات الاكتوارية المتحفظة الى ان نقطة التعادل ستكون في العام 2030 ونقطة التلاشي في العام 2048 لافتة الى ان المؤسسة تقوم بمثل هذه الدراسات لكل ثلاث سنوات لمعرفة الوضع المالي لها والحفاظ عليه وتعزيزه."


تلخيصا للضمان فان كل "هيزعية" القانون الجديد أتت لتأخير موعد الإفلاس التام (نقطة التلاشي) خمس سنوات كاملات! يذكر هنا ان الضمان الاجتماعي يقوم بتقليل المنافع وزيادة الاقتطاعات كل عدة سنوات ل"دفش" موعد الافلاس عدة سنوات اخرى. وهذا حصل في الاردن عدة مرات: فاقتطاع الضمان الحالي في الأردن وصل الى أكثر من 21% من الراتب. وسابقا بين 2001 و ايلول 2011 كان الاقتطاع 16.5% من الراتب (وكان اقل من ذلك في التسعينيات). بالإضافة طبعا الى تمديد سن التقاعد والغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد وتقليل معامل المنفعة لتقليل الرواتب التقاعدية.


موضوعيا لا خوف على التقاعدات المستقبلية لمشتركي الضمان. فمشتركي الضمان يتجاوزون المليون شخص ولن تغامر أي حكومة بالسماح بإفلاسه. على الاغلب ستقوم بالاقتراض لدعم رواتب متقاعدي الضمان تماما كما تفعل الان لدفع رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين. وسيكون امرا سهلا لان عجز التقاعد المدني الحالي سينخفض كثيرا خلال الثلاثين سنة القادمة مع وفاه اعداد من المتقاعدين الحاليين.


بالنسبة لصندوق تقاعد المهندسين نقطة التلاشي ستاتي خلال 20 الى 30 سنة حتى بعد التعديلات _وهذا بحسب دراسة النقابة نفسها. مما يعني ان أي مشترك جديد بالصندوق على الاغلب لن يحصل على مستحقات تقاعدية وبالتأكيد سيزيد عليه عبء الاشتراكات بعد عدة سنوات. هذا يشكل حافز سلبي لاشتراك المهندسين الجدد  في الصندوق مما يزيد من الضغط عليه لعدم حصوله على قاعدة اشتراكات جديدة صغيرة تساهم ما تدفعه من أقساط تقاعدية في تحقيق فائض تاميني سنوي. ولان عدد المشتركين بصندوق تقاعد المهندسين قليل نسبيا (اقل من 40 الف) لا اعتقد ان الحكومة المركزية ستتكفل بالتقاعدات للنقابة عند افلاسه خصوصا وان إدارة النقابة تعتبر نفسها معارضة للنهج الحكومي وبالتالي فان افلاس الصندوق سيكون دعاية ممتازة ضد نهج هذه المعارضة نفسها!


كذلك يزيد من الضغط على صندوق تقاعد المهندسين إصرار ادارته على العزوف عن الاستثمار في السندات الحكومية. بينما نعرف ان توجه صناديق التقاعد نحو السندات هو توجه حصيف وممارس على مستوى العالم. فقد بين مسح سنوي تقوم به منظمة التعاون الاقتصادي (OECD) ل 104 صندوق تقاعد في دول المنظمة للعام 2014 ان الودائع والسندات شكلت اكثر من 52% من صناديق المحافظ التقاعدية في الدول الصناعية مقابل حوالي 30% للاسهم. وهذه تعتبر من الممارسات الفضلى في الاستثمار حيث يقوم مديرو الاستثمار في مقابلة المطلوبات طويلة المدى (الرواتب التقاعدية المستقبلية) مع موجودات ايضا طويلة المدى ذات عائد ثابت وعال نسبيا (مثل السندات الحكومية).


في صندوق تقاعد المهندسين نسب العوائد السنوية المطلوبة للحفاظ على ديمومته عالية نسبيا. فعلى النظام القديم وعلى افتراض عدد سنوات تقاعد بمعدل 21 سنة (متوافقة مع معدل الحياة في الأردن والبالغ 72 سنة للرجال و 76 سنة للنساء) فان عائد الاستثمار السنوي الصافي (بعد  كل الضرائب والنفقات) المطلوب  لديمومة الصندوق هو 12% سنويا لشريحة ال 200 دينار واكثر من 10 % لشريحتي ال 280 و 400 دينار. وهذا على افتراض ان الصندوق حاليا متوازن للمتقاعدين الحاليين. فيما نعلم ان الصندوق يدفع حاليا اكثر من 26 مليون دينار سنويا للمتقاعدين الحاليين من مجمل موجودات تقدر ب300 مليون دينار. أي ان موجودات الصندوق يجب ان تنمو بحوالي 9% سنويا فقط للتمكن من دفع رواتب المتقاعدين الحاليين! مع التنويه ان فاتورة الرواتب التقاعدية ستزيد بشكل كبير مع زيادة اعداد المتقاعدين بشكل مضطرد.


الحل بسيط. كثيرون من المهندسين مثلي _استنادا الى العلم والمنطق_ لا يؤمنون بقدرة صناديق التقاعد ذات المنافع المحددة على الاستمرار. ولهم بنفس الوقت سنوات عديدة من الاشتراك في صندوق تقاعد المهندسين. والحل يكون بحساب حصتنا من موجودات الصندوق الحالية بحسب عوائد الصندوق التاريخية السنوية ومجمل أقساط التقاعد المدفوعة. وبعدها نتفق على صفقة مفيدة للطرفين أركانها الاتي:


-        نسامح الصندوق من حقوقنا في راتب تقاعدي مدى الحياة وبذلك نوفر على الصندوق التزامات مستقبلية كبيرة.
-        في ذات الوقت تحول نقود اشتراكاتنا في الصندوق لتاريخه (مع عوائدها خسارة او ربحا) الى حساب ادخاري \ استثماري لا يمكن السحب منه الا بعد سن الستين. وتكون هذه الحسابات منفصلة حسابيا وقانونيا عن صندوق التقاعد.
-        يكون لإصحاب الحسابات الادخارية الحق بالإيداع فيها سنويا او شهريا أي مبلغ يريدونه مع اختيار نمط الاستثمار التي يحبذون (أسهم او سندات او حسابات توفير او أراضي الخ). وتقوم النقابة باستدراج عروض من كل البنوك وشركات الوساطة المرخصة لإدارة هذه المحافظ الادخارية \ الاستثمارية ويكون لكل شخص خيار اختيار أي من هذه الشركات والبنوك لإدارة محفظته.
-        ممكن لاحقا اقناع مجلس النواب بإعفاء ما يضعه المهندسون في هذه الحسابات الادخارية \ الاستثمارية من ضريبة الدخل (بحد اقصى 2000 دينار سنويا مثلا) مما يساهم في تحفيز المهندسين للادخار والاستثمار.

وهذا ليس اختراعا جديدا. بل هو نظام التقاعد المحدد الاشتراكات defined contribution والذي يوصي به عالميا الان وله العديد من التجارب الناجحة مثل نظام  401K في الولايات المتحدة  والتي تجاوز عدد المستفيدين منها 90 مليون موظفا. والمقترح طبعا جزء من توفير الناس لتقاعدهم. ليس خيارهم الوحيد بل خيار منطقي إضافي.


ليست هناك تعليقات