HIDE
TRUE
RTL
{fbt_classic_header}

الشراكة بين القطاع العام والخاص ليست حلا سحريا: مطار الملكة علياء الدولي مثالا

  الشراكة بين القطاع العام والخاص ليست حلا سحريا: مطار الملكة علياء الدولي مثالا. جواد جلال عباسي   jawad@alrafed.com 5 تموز 2022 أ...




 

الشراكة بين القطاع العام والخاص ليست حلا سحريا: مطار الملكة علياء الدولي مثالا.

جواد جلال عباسي 
jawad@alrafed.com

5 تموز 2022

أكاديميا هناك شبه اجماع ان كثيرا من مشاريع البنى التحتية عبر الشراكة بين القطاع الخاص والعام في العالم تفشل في تحقيق غاياتها. وهذا الاجماع يشير الى عدة استنتاجات وامور يجب على كل حكومة ماضية في مشاريع شراكة مع القطاع الخاص في مواضيع البنى التحتية الانتباه التام لها كي تقلل من احتمال الفشل. ومنها:

-         مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص ليست بديلا عن القطاع العام الكفوء والقادر. فان كان القطاع الحكومية مترهلا وغير كفؤ او فيه فساد سيظهر هذا حتما في تفاصيل العقود وتنفيذها. فالحكومة يبقى دورها أساسيا في الاشراف والتنظيم والتحصيل الضريبي. ومشاريع الشراكة بين القطاع والخاص لا يجب ان تؤخذ كأنها بديل عن ضرورة وجود جهاز حكومي كفوء وقادر او كقفزة في الامام بديلة عن القطاع العام الكفوء!

 

-         ضرورة وجود المنافسة في كل مراحل المشروع وأيضا ان أمكن ان تكون البنى التحتية الناتجة عن مشروع الشراكة أيضا خاضعة لقوى المنافسة بين عدة مزودين. وبالتالي أي مشروع فيه حصرية او احتكار ينبغي الحذر منه وتفصيل أي أسباب موجبة لهذا الاحتكار ودراستها.

 

-         مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص يجب ان تتضمن مشاركة المخاطر المالية والعملياتية لا فقط مشاركة العوائد والارباح. بحيث يتم تصميم الحوافز اللازمة لضمان تلاقي المصالح بين الجهتين الحكومية والخاصة.

 

-         كلفة مشاريع الشراكة اعلى من المشاريع الحكومية الصرفة والسبب وجود ربح القطاع الخاص والعائد المقبول على استثماره. ولهذا السبب يجب ان ينظر الى مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص من منظور تقديم خدمات للمواطنين لا بناء بنية تحتية فقط. فان كان مشروع الشراكة مقترح فقط لان الحكومة تعاني من عدم قدرة على توفير التمويل فان القطاع الخاص _على الأرجح_ لن يستطيع التمويل الا بوجود ضمانة حكومية صريحة او ضمنية. أي ان الحصول على التمويل هو الأقل أهمية في أسباب التوجه نحو مشاريع الشراكة.

ان اسقطنا النقاط أعلاه على مشروع شراكة المطار والذي تم بأسلوب بناء تشغيل ونقل لمدة 25 سنة سنجد بعض الإيجابيات وبعض السلبيات. ويجدر بنا ان نذكرها جميعا لنكون موضوعيين ونستحضر الدروس لمشاريع قادمة في المستقبل.

في موضوع المطار اشعر ان الأردنيين مقسومون الى قسمين: قسم يتباكى على "بيع" المطار مع انه حقا لم يباع. والقسم الثاني _الاقل صخبا_ يعتبر ان عقد الشراكة مع القطاع الخاص في المطار مثالي وبدون اية شوائب! وبين تخندق الموقفين يغيب التحليل العلمي الموضوعي عن هذا المشروع الحيوي المهم.

اول الملاحظات على عقد المطار هي ان العقد سمح للائتلاف الفائز بتحصيل حوالي 45% من عوائد المطار القديم من اليوم الأول لتوقيع الاتفاقية ولمدة ستة سنوات بين 2007 و2013 مع ان المطار الجديد لم يبدا العمل فيه الا في 2013 وعلى الرغم من كون المشروع هو مشروع بناء وتشغيل ونقل. بهذا حصل الائتلاف الفائز بالمشروع على حوالي 300 مليون دولار في ست سنوات من العوائد من المطار القديم مع انه لم يبنيه وهذه شكلت حوالي نصف كلفة بناء المرحلة الأولى من المطار الجديد. ربما كان من الاجدى هنا ان تعطي الحكومة عقدا منفصلا لادارة المطار القديم مع نسبة مشاركة عوائد اقل كثيرا من 45% كون المطار القديم كان مكتملا وعاملا وله إيرادات كبيرة. مع ضرورة الإشارة الى نجاح ائتلاف المطار الجديد في استقطاب شركات طيران جديدة لعمان وأيضا حسن إدارة المواقع التجارية في المطار وتعظيم إيراداتها.

كذلك اسأت الحكومة إدارة موقع المطار الجديد بحيث اضطر الائتلاف لهدم مبنى المطار القديم وبناء المطار الجديد في نفس مكان القديم. مع ان الملكية الأردنية وائتلاف المطار الجديد كلاهما اقترحا الإبقاء على المطار القديم ليستخدم للطيران العارض والطيران منخفض الكلفة خصوصا ان سعته كانت عالية نسبيا. والنتيجة كانت تخفيض جودة خدمة المطار القديم لمدة ست سنوات بسبب تداخل اعمال البناء فيه وتقليل عدد البوابات العاملة. بذات الوقت سمحت الحكومة لائتلاف المطار برفع الرسوم على شركات الطيران بنسبة 21% في 2010 على الرغم من تردي الخدمة بسبب اعمال البناء وقبل ان تفتتح المطار الجديد. لو خصصت الحكومة أراضي إضافية شرق المطار القديم للمطار الجديد لكان الحال أفضل كثيرا.

بسبب شرط الحصرية لمطار الملكة علياء بموجب العقد حتى وصول عدد المسافرين الى 8 مليون سنويا _وهو ما تحقق في 2018_ تجاهلت الحكومة مطار عمان المدني (ماركا) بحيث فقد ترخيصه للطيران المدني التجاري. هذا أنهى المنافسة تماما مع ان وجود مطار مدني عامل بأسعار أرخص كان من الممكن ان يستخدم لاستقطاب الطيران العارض وخطوط الطيران منخفض الكلفة بدون الحاجة الى دعم نقدي مباشر من الخزينة! هنا لنا عودة على اتفاقية الحكومة مع شركات الطيران المنخفض الكلفة في مقال اخر.

كما ان فقدان مطار ماركا لترخيصه ادى الى عدم وجود بديل لمطار الملكة علياء الا مطار الملك حسين في العقبة. وهذه مشكلة لكل الشركات المشغلة للمطار لان تحويل الطيران للعقبة _عند وجود حالات جوية مثلا_ على بعد 350 كم ليس مناسبا كتحويله لمطار في نفس مدينة عمان.

في نيسان 2018 تم بيع 41.5% من ائتلاف المطار لاحد الشركاء فيه بمبلغ 265 مليون دولار. أي بتقييم اجمالي لقيمة ائتلاف المطار وعقده بحوالي 640 مليون دولار. حبذا لو تم حساب العائد على الاستثمار للمساهمين في مشروع المطار. فالأصل ان يحقق المستثمر ربحا جيدا ومنافسا يشجعه على القدوم للأردن. بذات الوقت يجب ان تكون جميع العقود _خصوصا تلك التي تعطي احتكارا_ مدروسة بعناية كي لا يكون العائد للمستثمر خرافيا! فالمطلوب عائد ممتاز يشجع الاستثمار لا أرباح احتكارية مبالغ بها!

أخيرا زادت كلفة مواقف المطار كثيرا على المستخدمين بعد افتتاح المطار الجديد. وهذا ربما من أسباب عدم رضى الكثيرين على مشروع المطار الجديد.

الخلاصة ان لدينا مطار حديث جميل ممتاز يدر للخزينة وللمستثمرين دخلا عاليا. والمساهمين فيه شاركوا بالربح والخسارة أيضا (عند اغلاق المطار بسبب كورونا). بذات الوقت قد تكون الحكومة قد تركت على الطاولة اكثر من نصف مليار دولار _تقديرا_ كانت الخزينة احق بهم. كذلك فان اتفاقية المطار الجديد تسببت في زيادة التكلفة على المستخدمين _ ومنهم شركات مملوكة للحكومة _ بسبب الاحتكار. فنكون هنا قد قللنا التنافس وحرمنا الاقتصاد والسياحة من فوائد المنافسة الحقة.

اتفاقية المطار هذه براي ليست نجاحا باهرا ولا فشلا ذريعا. بل اتفاقية شراكة بين القطاع الخاص والعام لها إيجابيات عدة وسلبيات عديدة وكان من الممكن ان تكون أفضل كثيرا للاقتصاد الوطني والخزينة مع بقائها جاذبة للمستثمرين.

هناك تعليق واحد

  1. انا لست اختصاصيا بالاقتصاد،، ولكنني ادعي بانني افهم بالاقتصاد والتجارة كوني شاركت وربحت من عدة مشاريع ناجحة، وبناء على ذلك اقول ان عقد الشراكة بين الحكومة وشركة المطار كان يشوبها العيب وفيها اخطاء اضرت بتحصيل مردود افضل من دخل المطار، واضرت ايضا بجعل مطار عمان منافسا للمطارات القريبة منه. وهنا يبقى السؤال، هل ما قاد المفاوضات مع شركة المطار كان خبيرا بالمفاوضات ؟ او ان هناك فساد مالي خفي استفد منه شخص او اشخاص بعقد اتفاقية اعتبرها لحد ما غير ناجحة اقتصاديا بالقدر الكافي ؟ والله اعلم

    ردحذف